Admin Admin
الابراج : الأبراج الصينية : عدد المساهمات : 246 تاريخ التسجيل : 30/12/2010
| موضوع: خليج الطبَّالة) والتحولات الحادة في القرية للعربي عبد الوهاب...دراسة نقدية السبت يناير 22, 2011 10:13 am | |
| (خليج الطبَّالة) والتحولات الحادة في القرية للعربي عبد الوهاب بقلم محمد عبد الله الهادي ـــــــــــــــــــــــــــــــــ إذا أردت أن تعرف شعباً فعليك بقُراه، ذلك أن المدن تتشابه، وتظل القرى هي الحاملة لروح الشعوب بكل تجلياتها، و "طاروط" قرية "العربي عبد الوهاب" في روايته "خليج الطبَّالة" لا تمثل سوى نقطة ضئيلة علي خريطة الدلتا بشرق النيل، لكنه عندما يحيلها لمكان أو حيز روائي متخيل في النص، فإنه يختزل فيها كل القرى المصرية بما طرأ عليها من تحولات وتغيرات أصابت القرية خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي جاعلاً منها حالة إنسانية عامة دالة علي أن القرية القديمة لم يعد لها وجود. * * * الفضاء الموضوعي للكتاب بالنظر للفضاء الموضوعي للكتاب؛ كونه المكان المادي الوحيد المتاح بين أيدينا، ونقطة الالتقاء بين وعي الكاتب وبيننا، فإن الغلاف الذي يحمل اسم الكاتب يحمل عنواناً يحيلنا لمكان في الواقع بذات الاسم (خليج الطبَّالة) بقرية طاروط في محاولة للإيهام بمصداقية القص بين دفتي الكتاب، لكن الصورة الفنية المجاورة للعنوان ليست لها علاقة بالحدث. وفي صفحة الإهداء يقول الكاتب: "لكن يمكن أن نهدي للمبروكة أم قورة بيضاء عمرنا، فبسحرها نذهب إلي المحيط، ومن أجل طلعتها البهية نغرق، ومن أجل "طاروط" الطفولة والهوية أكتب"، وأم قورة بيضاء هي جاموسة الشيخ عبده والتي تمثل الشخصية الرئيسية في العمل، ومن خلال رحلة سرقتها ورحلة عودتها عبر "خليج الطبَّالة" تنتظم الأحداث التي لا تتنامي رأسياً، لكنها تتفتت أفقياً، لترسم صورة بانورامية للقرية بدورها الطينية وناسها وتقاليدها ومعتقداتها وهي تتهاوى أمام التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت إبَّان ذلك الوقت، فتبدو "أم قورة بيضاء" أو "المبروكة" كما نعتها الراوي، في هرولتها أمام اللصوص الذين يدفعونها من الخلف، أو سكونها بمخبأ دار الملط بعزبة إدوار، أو عودتها محاطة بالزفة الفرحة علي الخليج مروراً بخص الشيخ عبده وماكينة الطحين والجرن، تبدو، وكأنها في رحلتها هذه، تجر معها خيط الأحداث، وتشارك في صنعها بشكل أو بآخر. وفي الصفحة التالية للإهداء نجد عنواناً يقول (ذكر ما جاء من أمر الجاموسة الطائشة)، ثم صفحة أخرى بها مقطع شعري بعنوان (بكِّة دم) لـ "حجَّاج الباي"، ثم صفحة تحمل عنوان الفصل الأول (اختفاء).. يتكرر هذا مع باقي الفصول، الثاني حتى الرابع والأخير الموسومة بـ: (ظهور) و (اختفاء) و (هيت لك)، فنجد مقطعا شعرياً لـ "نازك الملائكة" ومقطعين لـ "عزت إبراهيم"، ويمكن اعتبار كل مقطع بمثابة عنوان كبير ودال للفصل التالي. وفي محاولة من الكاتب لكسر حدَّة السرد فإنه يُضمِّن السرد بالفصول كثيراً من العناوين الفرعية الدالة كتنويعات مختلفة: "واقعة"، "علي البلاط البارد"، "نداء المسجد الجامع".. ألخ. كذلك بعض المقتبسات الشعرية أو الفلكلورية. أو محاولة التمرد علي السرد المعتاد بوضع الحدث في قالب خبري: (أخبار الناس) أو (أخبار من حول العالم). أو سرده من خلال متوالية رقمية (شائعات) وغيرها. * * * المجاري المائية المجاري المائية بما تمثله من ترع ومصارف وخلجان لماء الري أو الصرف لا تمثل فقط شرايين للحياة للقرية بما تحمله من ماء عذب، لكنها أيضا تمثل في الوعي الجمعي للريفيين أماكن أسطورية مسكونة بالجنيات والعفاريت وأبناء الليل والممسوسين، وتجري علي شواطئها الملآنة بالحشائش البرية وصفحات مياهها الكثير من الأحداث التي تتبادل التأثير. أـ (خليج الطبَّالة): وهو الاسم الذي تحمله الرواية.. يقول الراوي (ص11) بعد حادث السرقة، عن الكلب الذي كسر اللصوص ساقه: "كان يسحبني باتجاه الخليج، يشد طرف جلبابي بين أسنانه حتى لا أنفلت منه كما انفلتوا منه فرادى عائدين من طريق الرشَّاح آخذين (خليج الطبَّالة) في استدارته حتى شارع داير الناحية". وفي(ص22) يأتي ذكره علي لسان "زاهر بن سلامة اللحَّاد" واصفاً إيَّاه بأنه كان غامضاً ومتواطئاً مع أبي شامية والمأذون عليه، وكيف جعله يحمل طبلته ويقود فريق الطبَّالين بـ"طاروط" ولا يتمكن رغم ذلك من إيقاف طابورهم. وفي(ص25) يشارك الخليج في زفِّة عودة الجاموسة، فينط "الهلباوي" في ماء الخليج مهللاً ورافعاً يديه بالتحيّة للمأمور والعساكر والخفراء، ويتكاثف غبار شاطئه بكثرة المشاركين علي الجسر الضيق الذي تنمو عليه نباتات برية كثيفة، والماء المغطى بورد النيل المتشابك مع النباتات بكثافة. ب ـ (الرشَّاح): وهو بمثابة مجرى مائي تصرف به المياه الزائدة في الحقول، والذي هبط إليه (حفيظة السمَّاك) عقب سرقة الجاموسة واستغاثته، هارباً من سؤال مطاردي اللصوص عن الجاموسة وسبب استغاثته، أشاح بيده و "رائحة الطعم النتن كانت تتسرب للأنوف" دلالة التكتم غير المبرر والإنكار بما يعرف، بعد معرفته أن خاله (سماعين الجمل) أحد لصوص الجاموسة (ص11). لكن كوبري (الرشَّاح) يلعب دوراً آخر موازياً، حيث يتم تحته عقد الصفقات المشبوهة في أوقات الغروب، "د. زكي البيطري" و"عطية مخمخ" و"الأصفر" و"العم بعرور". في (ص27) يقول عن الكوبري: "في غبش المغرب يحمل ضبابية ملغزة" ، وفي (ص31) يزيح الدكتور البيطري الشيخ "محمد النجار" الذي يسأل عن الساعة بطرف حذائه من فوق فرسه، لأنه كان ذاهبا لاجتماع عاجل تحت الكوبري قبيل المغرب. وهكذا ظل كوبري (الرشَّاح) مجرد كوبري تحاك تحته المؤامرات دون تفصيل زائدة أو ضجيج مصاحب، بل في تكثيف لغوي وفي أضيق الحدود الهامسة والسريَّة. لكن الكوبري الصغير الذي أقامه العمدة بين البلد (طاروط) وعزبة (الغربي) لعب دوراً آخر في المعارك بين الجانبين، يُقفل ويُفتح حسب الحاجة من قبل العمدة كما حدث في حرب البطيخ أو حرب المشمش أو غيرها من الحروب. * * * أمكنة أسطورية أ ـ (خص الشيخ عبده) : توقفت عنده المبروكة في طريق عودتها بالزفة، وقد منحه الراوي أبعاداً مكانية أسطورية تؤثر وتتأثر في الشخوص المشاركة والأحداث الجارية، في (ص32) يقول الراوي: " عند الخص الذي انتصب بارتفاع كافورة، ومن أمامه امتد مربط أم قورة بيضاء علي اتساع" .. لقد ارتفع المكان وتمدد متسعا ليحتوي الحشود الهائلة بالزفة. و"الشيخ عبده" ليس رجلاً عادياً؛ إنه مريد الشيخ "سيد أبي قورة" صاحب الكرامات، الذي يخبر ابنته أنه لن يبيت في قبره ليلة واحدة، لأنه سيرحل طائراً لبلاد أخرى. ب ـ (النحيلي) وحكاياته العجائبية، في (ص33) يقول عن المبروكة: "بعد خطوتين.. شفتها بعيني اللي ح ياكلهم الدود وهي بتجري بسرعة البرق من قدامي.. وكانت بتعلى.. وتعلى لغاية ما طارت فوق دوار العمدة واختفت" جـ ـ (واقعة التهارش): (ص63): "اشتكى العيال في المدارس من كثرة الحشرات الزاحفة ولما زجرهم الناظر وضرب جميع الطلاب حتى لا يرددوا تلك الخرافات ، علمت طاروط أنه غاب عن المدرسة مصاباً بحمى الهرش، وقيل إن ما أصاب العيال يرجع إلي ترديدهم مقولات الناظر الساخرة من جاموستهم أم قورة بيضاء". د ـ (مقام سيدي المبروك) : للقرية مقامها القديم؛ مقام سيدي (أبو منصور)، وجاء العصر الجديد منافساً للقديم بمقام آخر جديد يبنيه الحاج "زاهر سلامة" ، مكان تؤمن به العامة ويتم من خلاله تسويق أساليب النصب والخداع، مقام أُقيم غرب طاروط بسلالم رخامية وبوابة من حديد، هنا يحيل وصف المكان للموازنة بين الفقر والثراء بين المقامين، وهل يتنافس سيدي أبي منصور مع سيدي المبروك؟. وعن السبب المسوق لبناء المقام (ص78): "قيل جاءه الشيخ المبروك في المنام، أنبأه أنه سيحط بطاروط بعد يومين"، وباتت طاروط ليلتها تنتظر موكب سيدي المبروك الطائر. وتأتي محاولة هدم المقام بعد تبيان حقيقة أن الدفين بالضريح ليس "المبروك" لكنه "المبروكة/أم قورة بيضاء"، فيضرب "وحيد" ابن "الشيخ عبده" ـ الراوي ـ باب الضريح بالفأس، وتتجمع الجلابيب البيضاء والسراويل البيضاء واللحى السوداء فزعة لحماية المقام، في إشارة للمتاجرة باسم الدين من قبل جماعات اتخذت من الدين مطية لتحقيق أطماعها. لكن المشهد رغم دلالاته المتعددة لم يكن كافياُ لإيضاح حقيقة هذه الجماعات التي غررت بعقول الكثيرين من شبابنا في ذلك الوقت. هـ ـ (ليالي الأذكار): حول ضريح سيدي أبي منصور (ص29) وصف مسهب لحلقة ذكر يتوحد فيها المكان بالذاكرين: "وليلة خاصة لسيدي أبي منصور صاحب المقام والجميزة أمام المدرسة".. "من مسته يد الجلالة يشتعل حباً لله وللمنشد ولكل الذاكرين". و ـ (الجرن): الذي توقفت فيه الجاموسة/المبروكة أثناء الزفة (ص68): "كل الأنظار تحلقت حولها وانتظرتْ أن تطير بالليل، ولما لم تطر دعوا الله أن يخفف غضبه عنهم كي ينالوا البركة منها. وسط الجرن المواجه للمدرسة الإعدادية والمقام الملاصق لدار بليلة أقامت الجاموسة".. وتحول الجرن إلي سوق كبير حولها لمن أرادوا التماس البركة. * * * أماكن السرقة والاختباء والحجز الأماكن التي يلتقي فيها اللصوص للتشاور أو التخطيط أو الاختباء أو السرقة عبر أحداث الرواية، تتحور بالسرد والوصف لأماكن ملائمة لأداء الأدوار المنوطة بها. أ ـ دار الشيخ عبده: تتجلى هذه الدار لحظة اكتشاف سرقة الجاموسة بمجموعة مشاهد دالة كما في (ص12): الشيخ عبده المريض العائد من دورة المياه يستند علي الحائط.. لمبة الجاز المعلقة علي الحائط "توجْوج" مع صراخ الأم وبكاء الصغيرة.. النقب الصغير الذي حفره اللصوص بالمندرة.. ب ـ دار الملط: المكان الذي خبأ اللصوص به الجاموسة، نرى الدار في (ص38): "فتح الملط باباً من وراء باب يُفضي إلي "أودة" للخزين بها باباً يُفتح علي باب آخر "لأودة" أخرى، لو دخل الغريب وفتح باباً لا يرى الآخر".. كأن دار الملط هنا دار للتيه: "لذلك يجئ عبد الحليم باشا بما سرق إلي ابن خالته إلي الملط دوماً". جـ ـ الحجز: تحت عنوان (البلاط البارد) نتعرف علي الحجز وعلاقته بالمتهمين، في (ص41) يسرد الراوي عن مكان الحجز، سجن صغير يضم متهمين متباينين رغم تآلفهم مع رائحته النتنة، الضوء الواهن الواصل من شراعة الحديد يرتمي علي صفحات وجوههم، ملامحهم القلقة غير واضحة، وفي آخر المشهد نرى اندلاق صفائح الماء الوسخ من تحت باب الحجز لتنبيه المتهمين كي ينهضوا لتبيان كيفية تعامل الشرطة معهم والتي لا تكتمل إلاَّ بصفعات الأيدي المفلطحة و"الشلاليت" بالأقدام. * * * البيوت الحجرية تزيح الدور الطينية في (ص14) يقول الراوي: "تقف الدار الطينية الواطئة والمشدودة إلي بطن القرية بصلابة منذ أمد بعيد".. لكن هذه الصلابة لا تصمد طويلاً كما ستفصح مشاهد المكان فيما بعد. وفي (ص58) نشاهد وصفاً لدار طينية وطقوس عمل النسوة في قاعاتها المختلفة: وسط الدار والقاعة والدهليز والمندرة والمصطبة (للمصطبة دور مهم بالرواية في دفع الأحداث وتناميها من خلال روادها والإشاعات التي تنقلها ألسنتهم.. بليلة والحاج أبو متولي وعبد الوالي وغيرهم). وفي (ص50) سرد للتحولات التي طرأت من خلال بناء بيوت حجرية حلت مكان الطينية، بيوت الكبراء والأعيان ثم العائدون من الخارج. وفي (ص15) و (ص34) وصف لدوار العمدة الجديد، وتهافت تناسقه وذوقه ورواده رغم الثراء. وفي(ص61) من خلال منظور "د . هاشم" وعينه الراصدة لـ "طاروط" ، نرى تبدل المكان وتغيره بالبيوت الحجرية ومزارع للدواجن الواقفة كقطارات خربة. وفي (ص85) سرد آخر عن تغير المكان بظهور المقاهي الملآنة بشباب عاطل يحلقون شعرهم علي شاكلة لاعب الكرة "رونالدو" ومحلات الملابس والبوتيكات. وفي (ص13) موازنة بين طاروط/القرية والزقازيق/عاصمة الإقليم، ففي الوقت الذي تتجلى فيه الزقازيق/المدينة كمكان رومانسي يصلح للحب، يقول زاهر في مونولوج: "في شوارعك يا زقازيق نسير، نتبادل دفء الأصابع، قشعريرة القلب، نهدي الحلم للريح وللوجوه الغريبة". أما "طاروط" هي القيد له في زريبة أبي شامية مشدودا إلي الحبال كبهيمة، تتربص به وبقصة حبه، وتمد منقارها الحاد تنزع الحب النابت في قلبه. هو المكان بكل تجلياته عندما يتآمر ويقتل الحب في مهده، فيدفع بـ "زاهر" صوب طرق الندامة المظلمة التي تقوده لكل الشرور والظلم و الانتقام من الجميع، كأنه يردد في سريرته: عليَّ وعلي أعدائي. يقول في نهاية مونولوجه مخاطباً قريته بنبرة عتاب: "لماذا تتفجرين يا طاروط ككرة النار في حلقي". * * * أماكن للموت تحفل الرواية بالعديد من أمكنة الموت والقتل، فأهل "طاروط" يموتون بالدجاج الأبيض النافق الذي يُباع لهم من مزارع "زاهر" ، و"صديق" صديق عمره يوقف زفة الجاموسة العائدة بإشارة من يده أمام بيوت لصوصها، مخاطباً إيَّاهم بالخونة وأولاد الكلب.. وشوبش، فيدفع حياته ثمناً لموقفه، عندما يسقيه "حسونة" نافخ الكير بإيعاز منهم كأس الموت. انتحار ابن "سالم الحمَّار" في روايتين مختلفتين تناقلهما دور "طاروط" من دار إلي أخرى: في (ص60) سكب "ابن الحمَّار" الجاز علي نفسه ليحترق. وفي (ص77): "أحرقت أزهار نفسها ندماً (شقيقة زوجته التي أحبها) وحاول ابن الحمار دخول الدار لإنقاذها وكانت أزهار أحكمت المزلاج من الداخل عليها حتى تمكن من الناروزة فمات معها". كذلك سقوط العروس في شهر العسل، ابنة عبد الحليم باشا، من فوق السقف وهي تغني أغاني رشدي والعزبي. مقتل "سلامة الصغير بن زاهر" (ص89): ".. لكن كل طاروط تشم رائحة الغدر في موته علي الطريق وبعد مائة متر تقريبا من كوبري الغربي صار كل شيء معد بدقة". ثم مقتل الحاج "زاهر" والدكتور "هاشم" (ص 101 ـ102) في أرض الشمال، حيث الأراضي المستصلحة الجديدة التي يقومان بإصلاحها، في تزامن مع الخصخصة، والصحافة الجديدة، وظهور الشركات العملاقة، وغيرها من أساسيات العصر الجديد. * * * لقد نجح المكان في أغلب الأحوال في صنع فضاء روائي جيد، يدفع بالأحداث قدماً، يتأثر ويؤثر في كل العناصر الروائية الأخرى في رواية (خليج الطبالة).
| |
|